فصل: تفسير الآيات (41- 42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآيات (39- 40):

{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40)}
{ثُلَّةٌ مّنَ الاولين وَثُلَّةٌ مّنَ الاخرين} خبر مبتدأ محذوف أي هم ثلة، أو خبر ثان لهم المقدر مبتدأ مع {فِى سِدْرٍ} [الواقعة: 28] أو {لاصحاب اليمين} في قوله تعالى: {وأصحاب اليمين مَا أصحاب اليمين} [الواقعة: 17] أو مبتدأ خبره محذوف أي منهم، أو مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله احتمالات اعترض الأخير منها بأن المعنى عليه غير ظاهر ولا طلاوة فيه، وجعل اللام عنى من كما في قوله:
ونحن لكم يوم القيامة أفضل

لا يخفى حاله والأولون والآخرون المتقدمون والمتأخرون إما من الأمم وهذه الأمة، أو من هذه الأمة فقط على ما سمعت فيما تقدم، هذا ولم يقل سبحانه في حق أصحاب اليمين جزاءًا بما كانوا يعملون كما قاله عز وجل في حق السابقين رمزًا إلى أن الفضل في حقهم متمحض كأن عملهم لقصوره من عمل السابقين لم يعتبر اعتباره. ثم الظاهر أن ما ذكر من حال أصحاب اليمين هو حالهم الذي ينتهون إليه فلا ينافي أن يكون منهم من يعذب لمعاص فعلها ومات غير تائب عنها ثم يدخل الجنة، ولا يمكن أن يقال: إن المؤمن العاصي من أصحاب الشمال لأن صريح أوصافهم الآتية يقتضي أنهم كانوا كافرين ويلزم من جعل هذا قسما على حدة كون القسمة غير مستوفاة فليتأمل، والله تعالى أعلم.

والكلام في قوله تعالى:

.تفسير الآيات (41- 42):

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42)}
{وأصحاب الشمال مَا أصحاب الشمال فِي سَمُومٍ} على نمط ما سلف في نظيره، والسموم قال الراغب: الريح الحارة التي تؤثر تأثير السم، وفي الكشاف حرّ نار ينفذ في المسام والتنوين للتعظيم وكذا في قوله تعالى: {وَحَمِيمٍ} وهو الماء الشديد الحرارة.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)}
{وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} أي دخان أسود كما قال ابن عباس. وأو مالك. وابن زيد. والجمهور وهي على وزن يفعول، وله نظائر قليلة من الحممة القطعة من الفحم وتسميته ظلا على التشبيه التهكمي، وعن ابن عباس أيضًا أنه سرادق النار المحيط بأهلها يرتفع من كل ناحية حتى يظللهم، وقال ابن كيسان: هو من أسماء جهنم فإنها سوداء وكذا كل ما فيها أسود بهيم نعوذ بالله تعالى منها. وقال ابن بريدة. وابن زيد أيضًا: هو جبل في النار أسود يفزع أهل النار إلى ذراه فيجدونه أشد شيء، والجار والمجرور في موضع الصفة لظل وكذا قوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (44):

{لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)}
{لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ} صفتان له، وتقديم الصفة الجار والمجرور على الصفة المفردة جائز كما صرح به الرضى وغيره أي لا بارد كسائر الظلال، ولا نافع لمن يأوى إليه من أذى الحر وذلك كرمه فهناك استعارة، ونفي ذلك ليمحق توهم ما في الظل من الاسترواح إليه وإن وصف أولا بقوله تعالى: {مّن يَحْمُومٍ} والمعنى أنه ظل حار ضار إلا أن للنفي شأنا ليس للإثبات ومن ذلك جاء التهكم والتعريض بأن الذي يستأهل الظل الذي فيه برد وإكرام غير هؤلاء فيكون أشجى لحلوقهم وأشد لتحسرهم، وقيل: الكرم باعتبار أنه مرضى في بابه، فالظل الكريم هو المرضى في برده وروحه، وفيه أنه لا يلائم ما هنا لقوله تعالى: {لاَّ بَارِدٍ} وجوز أن يكون ذلك نفيًا لكرامة من يستروح إليه ونسب إلى الظل مجازًا، والمراد أنهم يستظلون به وهم مهانون، وقد يحتمل المجلس الرديء لنيل الكرامة، وفي البحر يجوز أن يكونا صفتين ليحموم ويلزم منه وصف الظل بهما، وتعقب بأن وصف اليحموم هو والدخان بذلك ليس فيه كبير فائدة، وقرأ ابن أبي عبلة {لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ} برفعهما أي لا هو بارد ولا كريم على حدّ قوله:
فأبيت لا حرج ولا محروم

أي لا أنا حرج ولا محروم، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (45):

{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45)}
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} تعليل لابتلائهم بما ذكر من العذاب، وسلك هذا المسلم في تعليل الابتداء بالعذاب اهتمامًا بدفع توهم الظلم في التعذيب، ولما كان إيصال الثواب مما ليس فيه توهم نقص أصلًا لم يسلك فيه نحو هذا، والمترف هنا بقرينة المقام هو المرتوك يصنع ما يشاء لا يمنع، والمعنى أنهم عذبوا لأنهم كانوا قبل ما ذكر من العذاب في الدنيا متبعين هوى أنفسهم وليس لهم رادع منها يردعهم عن مخالفة أوامره عز وجل وارتكاب نواهيه سبحانه كذا قيل، وقيل: هو العاتي المستكبر عن قبول الحق والاذعان له، والمعنى أنهم عذبوا لأنهم كانوا في الدنيا مستكبرين عن قبول ما جاءتهم به رسلهم من الإيمان بالله عز وجل وما جاء منه سبحانه، وقيل: هو الذي أترفته النعمة أي أبطرته وأطغته، وقريب منه ما قيل: هو المنعم المنهمك في الشهوات، وعليه قول أبي السعود أي أنهم كانوا قبل ما ذكر من سوء العذاب في الدنيا منعمين بأنواع النعم من المآكل والمشارب والمساكن الطيبة والمقامات الكريمة منهمكين في الشهوات فلا جرم عذبوا بنقائضها، وتعقب بأن كثيرًا من أهل الشمال ليسوا مترفين بالمعنى الذي اعتبره فكيف يصح تعليل عذاب الكل بذلك ولا يرد هذا على ما قدمناه من القولين كما لا يخفى.
ومن الناس من فسر المترف بما ذكر وتفصى عن الاعتراض بأن تعليل عذاب الكل بما ذكر في حيز العلة لا يستدعي أن يكون كل من المذكورات موجودًا في كل من أصحاب الشمال بل وجود المجموع في المجموع وهذا لا يضر فيه اختصاص البعض بالبعض فتأمله، وقيل: المترف المجعول ذا ترفة أي نعمة واسعة والكل مترفون بالنسبة إلى الحالة التي يكونون عليها يوم القيامة، وهو على ما فيه لا يظهر أمر التعليل عليه.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)}
{وَكَانُواْ يُصِرُّونَ} يتشددون ويمتنعون من الاقلاع ويداومون {عَلَى الحنث} أي الذنب {العظيم} وفسر بعضهم الحنث بالذنب العظيم لا طلق الذنب وأيد بأنه في الأصل العدل العظيم فوصفه بالعظيم للمبالغة في وصفه بالعظم كما وصف الطود وهو الجبل العظيم به أيضًا، والمراد به كما روي عن قتادة. والضحاك. وابن زيد الشرك وهو الظاهر.
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي أن المراد به الكبائر وكأنه جعل المعنى وكانوا يصرون على كل حنث عظيم وفي رواية أخرى عنه أنه اليمين الغموس وظاهره الاطلاق، وقال التاج السبكي في طبقاته: سألت الشيخ يعني والده تقي الدين ما الحنث العظيم؟ فقال: هو القسم على إنكار البعث المشار إليه بقوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ} [النحل: 38] وهو تفسير حسن لأن الحنث وإن فسر بالذنب مطلقًا أو العظيم فالمشهور استعماله في عدم البر في القسم، وتعقب بأنه يأباه قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (47):

{وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47)}
{وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما} إلى آخره للزوم التكرار، وأجيب بأن المراد بالأول وصفهم بالثبات على القسم الكاذب وبالثاني وصفهم بالاستمرار على الإنكار والرمز إلى استدلال ظاهر الفساد مع أنه لا محذور في تكرار ما يدل على الإنكار وهو توطئة وتمهيد لبيان فساده، والمراد بقولهم: كنا ترابًا وعظامًا كان بعض أجزائنا من اللحم والجلد ونحوهما ترابًا وبعضها عظامًا نخرة، وتقديم التراب لأنه أبعد عن الحياة التي يقتضيها ما هم بصدد إنكاره من البعث، وإذا متمحضة للظرفية والعامل فيها ما يدل عليه قوله تعالى: {أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} لا مبعوثون نفسه لتعدد ما يمنع من عمل ما بعده فيما قبله وهو نبعث وهو المرجع للإنكار وتقييده بالوقت المذكور ليس لتخصيص إنكاره به فإنهم منكرون للإحياء بعد الموت وإن كان البدن على حاله لتقوية الإنكار للبعث بتوجيهه إليه في حالة منافية له بالكلية وهذا كالاستدلال على ما يزعمونه، وتكرير الهمزة لتأكيد النكير وتحلية الجملة بأن لتأكيد الإنكار لا لإنكار التأكيد، وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (48):

{أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48)}
{أَوَ ءابَاؤُنَا الاولون} عطف على محل إن واسمها. أو على الضمير المستتر في مبعوثون وحسن للفصل بالهمزة إن كانت حرفًا واحدًا كما قال الزمخشري ولا يضر عمل ما قبل هذه الهمزة في المعطوف بعدها لأنها مكررة للتأكيد وقد زحلقت عن مكانها، وقولهم: الحرف إذا كرر للتأكيد فلابد أن يعاد معه ما اتصل به أولًا أو ضمير لا يسلم إطراده لورود.
ولا لما بهم أبدًا دواء

وأمثاله، وجوز أن يكون {ءابَاؤُنَا} مبتدأ وخبره محذوف دل عليه ما قبل أي مبعوثون، والجملة عطف على الجملة السابقة وهو تكلف يغني عنه العطف المذكور المعنى أيبعث أيضًا آباؤنا على زيادة الاستبعاد يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل، وقرأ قالون. وابن عامر {أَوَ ءابَاؤُنَا} بإسكان الواو وعلى هذه القراءة لا يعطف على الضمير إذ لا فاصل.

.تفسير الآية رقم (49):

{قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ (49)}
{قُلْ} ردًا لإنكارهم وتحقيقًا للحق {إِنَّ الاولين والاخرين} من الأمم الذين من جملتهم أنتم وآباؤكم، وتقديم الأولين للمبالغة في الرد حيث كان إنكارهم لبعث آبائهم أشد من إنكارهم لبعثهم مع مراعاة الترتيب الوجودي.

.تفسير الآية رقم (50):

{لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)}
{لَمَجْمُوعُونَ} بعد البعث، وقرئ {لمجمعون} {لَمَجْمُوعُونَ إلى ميقات يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} وهو يوم القيامة ومعنى كونه معلومًا كونه معينًا عند الله عز وجل، والميقات ما وقت به الشيء أي حد، ومنه مواقيت الإحرام وهي الحدود التي لا يتجاوزها من يريد دخول مكة إلا محرمًا، وإضافته {إلى يَوْمِ} بيانية كما في خاتم فضة، وكون يوم القيامة ميقاتًا لأنه وقتت به الدنيا، و{إلى} للغاية والانتهاء، وقيل: والمعنى {لَمَجْمُوعُونَ} منتهين إلى ذلك اليوم، وقيل: ضمن معنى السوق فلذا تعدى بها.

.تفسير الآية رقم (51):

{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51)}
{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالون} عطف على {إِنَّ الاولين} [الواقعة: 49] داخل في حيز القول، و{ثُمَّ} للتراخي الزماني أو الرتبي {المكذبون} بالبعث، أو بما يعمه وغيره ويدخل هو دخولًا أوليًا للسياق على ما قيل، والخطاب لأهل مكة وأضرابهم.

.تفسير الآية رقم (52):

{لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52)}
{لاَكِلُونَ} بعد البعث والجمع ودخولهم جهنم {مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ} {مِنْ} الأولى لابتداء الغاية والثانية لبيان الشجر وتفسيره أي مبتدءون للأكل من شجر هو زقوم، وجوز كون الأولى تبعيضية و{مِنْ} الثانية على حالها، وجوز كون {مّن زَقُّومٍ} بدلًا من قوله تعالى: {مِن شَجَرٍ} فمن تحتمل الوجهين، وقيل: الأولى زائدة، وقرأ عبد الله من شجرة فوجه التأنيث ظاهر في قوله تعالى: